الخطاب الملكي يرسم خارطة طريق “المغرب الصاعد”: العدالة المجالية والتنمية الترابية أولوية استراتيجية
الخطاب الملكي يرسم خارطة طريق “المغرب الصاعد”: العدالة المجالية والتنمية الترابية أولوية استراتيجية
“فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” – بهذه الآية الكريمة اختتم جلالة الملك خطابه، في إشارة واضحة إلى أن المحاسبة آتية ، وأن كل عمل محسوب، وأن النتائج هي المعيار الوحيد للنجاح.
الدار البيضاء- نجوم بريس
محمد رضي مدير النشر
وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مرفوقاً بولي العهد الأمير مولاي الحسن والأمير مولاي رشيد، خطاباً ساميا إلى أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الأخيرة من الولاية الحادية عشرة. جاء الخطاب محملاً بتوجيهات استراتيجية واضحة، تضع التنمية الترابية والعدالة الاجتماعية في صلب الأولويات الوطنية.
السياق: سنة حاسمة للعمل والإنجاز
أكد جلالة الملك أن هذه السنة التشريعية الأخيرة تتطلب تعبئة استثنائية من جميع الفاعلين. فهي ليست سنة عادية، بل فرصة لاستكمال المخططات التشريعية المفتوحة، وترجمة الالتزامات إلى إنجازات ملموسة على أرض الواقع.
وأشاد جلالته بالدور التشريعي والرقابي للبرلمان، مع دعوة صريحة إلى تكثيف الجهود في مجالات:
– التشريع الفعال
– مراقبة العمل الحكومي
– تقييم السياسات العمومية
– تعزيز الدبلوماسية البرلمانية
“المغرب الصاعد”: رؤية استراتيجية لا شعار سياسي
جوهر المشروع
شدد الخطاب الملكي على أن “المغرب الصاعد”** ليس مجرد شعار أو برنامج حكومي محدود زمنياً، بل هو توجه استراتيجي يتجاوز الزمن السياسي، ويرتكز على مبادئ راسخة:
1. العدالة الاجتماعية والمجالية كرهان مصيري
2. تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين
3. محاربة الفوارق بين المناطق
4. استفادة الجميع من ثمار النمو
المقياس الحقيقي للنجاح
قدم جلالة الملك معياراً واضحاً لتقييم التقدم: “مستوى التنمية المحلية هو المرآة التي تعكس بصدق مدى تقدم المغرب الصاعد”. هذا يعني أن النجاح لن يُقاس بالأرقام الكلية، بل بالتحسن الفعلي في حياة المواطنين على مستوى كل منطقة وكل جماعة.
متطلبات التحول: من الخطاب إلى الفعل
حدد الخطاب الملكي شروطاً واضحة لنجاح التحول التنموي:
تغيير جذري في المقاربة
– تغيير العقليات وطرق العمل التقليدية
– ترسيخ ثقافة النتائج بدلاً من ثقافة الوسائل
– الاعتماد على معطيات ميدانية دقيقة
– التحول الرقمي كرافعة للحكامة والشفافية
محاربة الممارسات المعيقة
وجه جلالة الملك تحذيراً صريحاً: “من غير المقبول التهاون في نجاعة ومردودية الاستثمار العمومي”. هذا يعني محاسبة صارمة على:
– ضياع الوقت والجهد
– هدر الموارد العامة
– البيروقراطية المعطلة للمشاريع
الأولويات الوطنية: خمسة محاور استراتيجية
حدد الخطاب الملكي خمس أولويات يجب التركيز عليها:
1. المبادرات المحلية والاقتصاد المنتج
تشجيع الأنشطة الاقتصادية على المستوى المحلي، وخلق بيئة ملائمة للاستثمار في المناطق.
2. تشغيل الشباب
توفير فرص عمل حقيقية ومستدامة للشباب، بعيداً عن الحلول الترقيعية.
3. التعليم والصحة
النهوض بهذين القطاعين الحيويين باعتبارهما أساس التنمية البشرية.
4. التأهيل الترابي
تحسين البنيات التحتية والخدمات الأساسية في جميع المناطق.
5. العلاقة الرابح-رابح بين الحضر والقرى
تحقيق التكامل بين المجالات الحضرية والقروية بدلاً من التنافس.
ثلاثة توجيهات خاصة: معالجة الملفات الحساسة
أولاً: المناطق الهشة – الجبال والواحات
أعطى جلالة الملك أهمية خاصة لـ مناطق الجبال التي تغطي 30% من التراب الوطني ، ودعا إلى:
– إعادة النظر الشاملة في تنميتها
– سياسة عمومية مندمجة تراعي خصوصياتها
– تثمين مؤهلاتها الكبيرة
– تحقيق التضامن الفعلي بين المناطق
الرسالة واضحة : لا يمكن الحديث عن تنمية شاملة دون إنصاف هذه المناطق المهمشة تاريخياً.
ثانياً: الساحل الوطني – ثروة تحتاج إلى حماية
دعا جلالته إلى التفعيل الجاد لـ:
– قانون الساحل
– المخطط الوطني للساحل
الهدف: تحقيق التوازن الدقيق بين:
– التنمية الاقتصادية السريعة
– حماية البيئة الساحلية
– تثمين الاقتصاد الأزرق
– خلق فرص عمل مستدامة
ثالثاً: المراكز القروية الناشئة – حلقة وصل ذكية
دعا الخطاب إلى توسيع برنامج المراكز القروية الناشئة لأنها:
– تدير التوسع الحضري بطريقة منظمة
– تخفف من الهجرة نحو المدن الكبرى
– تقرب الخدمات من المواطنين
– تشكل نقاط اتصال بين المدينة والريف
المسؤولية المشتركة: الجميع معني
أكد جلالة الملك أن التواصل مع المواطنين وتأطيرهم ليس مسؤولية الحكومة وحدها، بل مسؤولية:
– البرلمانيين (في المقدمة لأنهم يمثلون الشعب)
– الأحزاب السياسية
– المنتخبين المحليين على جميع المستويات
– وسائل الإعلام
– المجتمع المدني
– كل القوى الحية للأمة
هذه دعوة صريحة إلى التعبئة الشاملة وتحمل المسؤولية الجماعية.
رسالة إلى البرلمان: الثقة تقتضي المحاسبة
وجه جلالة الملك رسالة واضحة للبرلمانيين بشقيه (الأغلبية والمعارضة):
“كونوا في مستوى الثقة الموضوعة فيكم، وفي مستوى الأمانة الملقاة على عاتقكم”
هذا يعني:
– الجدية والمسؤولية في العمل التشريعي
– اليقظة والالتزام في الدفاع عن قضايا المواطنين
– تغليب المصالح العليا للوطن على الحسابات الضيقة
– النزاهة والتجرد في الممارسة السياسية
قراءة في الأبعاد الاستراتيجية
البعد الاجتماعي
الخطاب يضع الإنسان في المركز ، ويعتبر أن التنمية الحقيقية تُقاس بتحسن ظروف عيش المواطنين وليس بالمؤشرات الاقتصادية فقط.
البعد المجالي
الإنصاف الترابي أصبح أولوية قصوى. لا يمكن لمناطق أن تتقدم وأخرى تتخلف في نفس البلد.
البعد المؤسساتي
دعوة إلى تجاوز المنطق القطاعي نحو عمل مندمج ومتكامل بين جميع المؤسسات.
البعد الاقتصادي
الربط الواضح بين التنمية المحلية وخلق الثروة، مع التركيز على اقتصاد منتج ومولد للوظائف.
البعد البيئي
الحرص على التنمية المستدامة خاصة في ما يتعلق بالسواحل والمناطق الطبيعية.
الخلاصة: من الخطاب إلى الإنجاز
الخطاب الملكي السامي يمثل وثيقة استراتيجية تضع خارطة طريق واضحة لـ”المغرب الصاعد”. يتميز بـ:
الوضوح في الأهداف: العدالة المجالية والتنمية الترابية
الدقة في التشخيص: تحديد المناطق والقطاعات ذات الأولوية
الصراحة في المطالب: تغيير العقليات ومحاربة الهدر
الشمولية في المسؤولية: الجميع معني بالتنفيذ
السنة المقبلة ستكون سنة المحاسبة والإنجاز. والرهان هو ترجمة هذه التوجيهات إلى واقع ملموس يلمسه المواطن في حياته اليومية، في قريته، في مدينته، في جهته.
“فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” – بهذه الآية الكريمة اختتم جلالة الملك خطابه، في إشارة واضحة إلى أن المحاسبة آتية ، وأن كل عمل محسوب، وأن النتائج هي المعيار الوحيد للنجاح.
#الخطاب_الملكي #المغرب_الصاعد #التنمية_الترابية #العدالة_المجالية #البرلمان_المغربي #السنة_التشريعية #محمد_السادس #التنمية_المحلية #المناطق_الجبلية #الاقتصاد_الأزرق #المراكز_القروية #الإصلاحات #الحكامة #السياسة_المغربية #الاستثمار_العمومي