الجزائر وسياسة فتح الجبهات المتعددة: استراتيجية التصعيد واستنزاف الذات
الجزائر وسياسة فتح الجبهات المتعددة: استراتيجية التصعيد واستنزاف الذات
الدار البيضاء نجوم بريس 3 ماي 2025
محمد رضي
في ظل الأحداث المتسارعة التي تشهدها منطقة المغرب العربي، بات واضحاً أن النهج الدبلوماسي الجزائري يتجه نحو مسار مثير للتساؤل. فبعد سنوات طويلة من العداء التقليدي مع المغرب، ها هي الجزائر تفتح جبهات جديدة في مواجهات دبلوماسية غير محسوبة العواقب مع دول عربية وإفريقية عديدة.
ولعل السبب الرئيسي وراء هذا التصعيد المتزايد هو النجاحات الدبلوماسية المتتالية التي حققها المغرب في قضية الصحراء المغربية، والدعم الدولي المتنامي لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل واقعي وعملي للنزاع. هذه الانتصارات الدبلوماسية المغربية على الساحة الدولية أصابت النظام الجزائري بحالة من الارتباك والغضب، دفعته إلى توسيع دائرة المواجهة لتشمل كل من يدعم الموقف المغربي.
لقد تجاوزت الجزائر اليوم حدود الخلاف التاريخي مع المغرب لتصب جام غضبها على دول كانت إلى الأمس القريب في دائرة الحلفاء أو على الأقل في خانة العلاقات المستقرة. ولعل الهجوم الأخير على دولة الإمارات العربية المتحدة ووصفها بألفاظ نابية كـ”الدولة اللقيطة” يعكس حجم الانزلاق الخطير في الخطاب الرسمي الجزائري.
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: ما الذي تجنيه الجزائر من وراء هذا التصعيد المتعدد الجبهات؟ وهل يخدم هذا النهج مصالحها الاستراتيجية أم أنه مجرد محاولة لصرف الأنظار عن أزماتها الداخلية؟
من المفارقات المؤلمة أن تتخذ الجزائر موقفاً عدائياً من دولة كالإمارات العربية المتحدة التي لطالما حافظت على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف في المنطقة، وكانت نموذجاً للتنمية والاستقرار في منطقة تعج بالاضطرابات. إن استخدام مثل هذه اللغة المسيئة في العلاقات الدبلوماسية يعكس أزمة حقيقية في الرؤية السياسية والاستراتيجية للقيادة الجزائرية.
ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل امتدت لتشمل دولاً أفريقية وعربية أخرى، في نهج يبدو أنه يقوم على مبدأ “استعداء الجميع” دون التفكير في العواقب الوخيمة لهذه السياسة على المدى البعيد.
إن المتابع للشأن المغاربي يدرك تماماً أن الجزائر تستنزف طاقاتها ومواردها في معارك جانبية لا طائل منها، في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى تعاون حقيقي لمواجهة التحديات المشتركة من فقر وبطالة وتهديدات أمنية متزايدة. هذا الاستنزاف الذاتي للقدرات الدبلوماسية والسياسية يأتي في وقت حساس تشهد فيه المنطقة تحولات جيوسياسية متسارعة تستدعي الحكمة وبعد النظر.
لقد آن الأوان لمراجعة حقيقية للمسار الدبلوماسي الجزائري، بعيداً عن نزعات العداء المجاني والتصعيد غير المبرر. فالدبلوماسية الناجحة تقوم على بناء الجسور لا هدمها، وعلى توسيع دائرة الأصدقاء لا تضييقها. وعلى الأشقاء في الجزائر أن يدركوا أن مستقبل المنطقة رهين بقدرتنا جميعاً على تجاوز خلافات الماضي والعمل معاً من أجل تنمية حقيقية تعود بالنفع على شعوبنا جميعاً.
في النهاية، إن سياسة فتح الجبهات المتعددة ليست سوى طريق مسدود لن يجلب سوى المزيد من العزلة والتراجع. وكلما أسرعت الجزائر في تصحيح مسارها والعودة إلى نهج الحوار والتعاون، كان ذلك أفضل لها ولشعبها ولمنطقة المغرب العربي بأكملها.