رسالة أخوة من المغرب إلى الجزائر: خطاب ملكي يتجاوز الحدود السياسية

محمد رضي

رسالة أخوة من المغرب إلى الجزائر: خطاب ملكي يتجاوز الحدود السياسية

 

محمد رضي

 

الدار البيضاء ـ نجوم بريس

الساعة : 1:22 التاريخ 30 يوليو 2025

محمد رضي

في خطاب عيد العرش المجيد، اختار جلالة الملك محمد السادس أن يوجه رسالة واضحة وصادقة إلى الشعب الجزائري الشقيق، رسالة تتجاوز التعقيدات السياسية والدبلوماسية لتصل مباشرة إلى قلوب وعقول الملايين من الجزائريين الذين يتابعون عن كثب التطورات في المنطقة المغاربية.

موقف ثابت وواضح

“وبصفتي ملك المغرب، فإن موقفي واضح وثابت؛ وهو أن الشعب الجزائري شعب شقيق”، بهذه الكلمات الواضحة والمباشرة، أكد جلالة الملك على الموقف الرسمي للمملكة المغربية تجاه الجزائر وشعبها. موقف لا يحمل أي غموض أو تأويل، موقف يضع الأخوة والمحبة في المقدمة، ويؤكد على أن العلاقة مع الجزائر ليست مجرد علاقة دبلوماسية عادية، بل علاقة أخوة حقيقية.

هذا الموقف الملكي الواضح يحمل في طياته رسالة طمأنة للشعب الجزائري بأن المغرب، مهما كانت التعقيدات السياسية، يعتبر الجزائر جزءاً لا يتجزأ من النسيج المغاربي، وأن الشعب الجزائري له مكانة خاصة في قلوب المغاربة.

جذور الأخوة العميقة

“تجمعه بالشعب المغربي علاقات إنسانية وتاريخية عريقة، وتربطهما أواصر اللغة والدين، والجغرافيا والمصير المشترك”، هكذا رسم جلالة الملك خارطة الروابط العميقة التي تجمع الشعبين المغربي والجزائري. روابط لا تعرف الحدود السياسية، ولا تتأثر بالتقلبات الدبلوماسية.

العلاقات الإنسانية أولاً، تلك الروابط البسيطة والعميقة في آن واحد، الروابط التي تتجلى في المصاهرات بين العائلات، في الصداقات العابرة للحدود، في التضامن الإنساني في أوقات المحن والأزمات. ثم التاريخ العريق، ذلك التاريخ المشترك من النضال ضد الاستعمار، من التبادل التجاري والثقافي، من التفاعل الحضاري عبر القرون.

اللغة العربية التي توحد القلوب والعقول، والدين الإسلامي الذي يجمع الأرواح في مشاعر الأخوة والمحبة. والجغرافيا التي جعلت البلدين جارين أبديين، محكومين بنفس المناخ، ومتقاسمين لنفس التحديات البيئية والاقتصادية. وأخيراً المصير المشترك، ذلك المستقبل الذي لا يمكن بناؤه إلا معاً، في إطار التعاون والتكامل.

يد ممدودة دائماً

“لذلك، حرصت دوما على مد اليد لأشقائنا في الجزائر، وعبرت عن استعداد المغرب لحوار صريح ومسؤول؛ حوار أخوي وصادق، حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين”. هذه العبارة تحمل رسالة واضحة للشعب الجزائري: المغرب لم يتوقف يوماً عن المبادرة للمصالحة والحوار.

كلمة “دوما” تؤكد على استمرارية الموقف المغربي، وأن مد اليد للجزائر ليس موقفاً طارئاً أو ردة فعل على ظروف معينة، بل سياسة ثابتة ومبدئية. والحديث عن “أشقائنا في الجزائر” يؤكد على البعد العاطفي والإنساني لهذه المبادرة.

الدعوة للحوار تأتي بصفتين متكاملتين: حوار “صريح ومسؤول” على المستوى الرسمي والسياسي، وحوار “أخوي وصادق” على المستوى الشعبي والإنساني. هذا يعني أن المغرب مستعد للحديث في كل القضايا، دون استثناء ودون شروط مسبقة، في جو من الصراحة والمسؤولية والأخوة.

## إيمان بالوحدة والقدرة على التجاوز

“وإن التزامنا الراسخ باليد الممدودة لأشقائنا في الجزائر، نابع من إيماننا بوحدة شعوبنا، وقدرتنا سويا، على تجاوز هذا الوضع المؤسف”. هذه الجملة تحمل رسالة أمل وثقة للشعب الجزائري. أمل في إمكانية تجاوز الأزمة الحالية، وثقة في قدرة الشعبين على كتابة صفحة جديدة من العلاقات الأخوية.

الإيمان بوحدة الشعوب يتجاوز الحدود السياسية إلى الوحدة الحضارية والثقافية والروحية. وحدة لا تعني إلغاء الخصوصيات الوطنية، بل تعني التكامل والتعاون والتضامن في مواجهة التحديات المشتركة.

أما الحديث عن “قدرتنا سوياً” فيؤكد على مبدأ الشراكة المتكافئة. لا يقول الخطاب الملكي للجزائريين “نحن الأقوى” أو “اتبعونا”، بل يقول “معاً نستطيع”. هذه لغة الندية والاحترام المتبادل، لغة الشراكة الحقيقية في بناء المستقبل.

الاتحاد المغاربي: حلم يحتاج إرادة

“كما نؤكد تمسكنا بالاتحاد المغاربي، واثقين بأنه لن يكون بدون انخراط المغرب والجزائر، مع باقي الدول الشقيقة”. هذه الخاتمة تضع النقاط على الحروف فيما يخص مستقبل المنطقة المغاربية.

التمسك بالاتحاد المغاربي ليس مجرد شعار أو حلم رومانسي، بل مشروع حضاري وتنموي حقيقي. مشروع يمكن أن يغير وجه المنطقة ويحولها إلى قوة اقتصادية وسياسية مؤثرة على المستوى الدولي.

لكن هذا المشروع، كما يؤكد جلالة الملك، لن يكون ممكناً بدون انخراط البلدين الأكبر في المنطقة: المغرب والجزائر. هذه حقيقة جغرافية وديموغرافية واقتصادية لا يمكن تجاهلها. المنطقة المغاربية تحتاج إلى قاطرتين لتتحرك نحو المستقبل، ولا يمكن لقاطرة واحدة أن تحمل كل هذا الحمل.

رسالة للتاريخ وللمستقبل

هذا الجزء من الخطاب الملكي ليس مجرد موقف سياسي، بل رسالة للتاريخ وللمستقبل. رسالة تقول للأجيال القادمة أن الملك محمد السادس لم يتوقف يوماً عن مد اليد للجزائر، وأن المغرب كان دائماً مستعداً للحوار والتعاون.

رسالة تقول للشعب الجزائري أن له إخوة في المغرب يحبونه ويقدرونه ويريدون له الخير والازدهار. رسالة تقول للعالم أن المغرب بلد السلام والحوار، وأنه يؤمن بالحلول السلمية للخلافات.

وهي أيضاً رسالة للمستقبل، تحمل أملاً كبيراً في أن الأجيال القادمة من المغاربة والجزائريين ستتجاوز خلافات اليوم لتبني مستقبلاً مشتركاً أكثر إشراقاً وازدهاراً.

دعوة للتأمل والعمل

في النهاية، تبقى هذه الرسالة الملكية دعوة صادقة للشعب الجزائري الشقيق للتأمل في حقيقة العلاقات المغربية-الجزائرية، وللعمل من أجل تجاوز الخلافات الحالية نحو آفاق أوسع من التعاون والتكامل.

دعوة تنطلق من قناعة راسخة بأن الشعوب أقدر من الحكومات على فهم منطق التاريخ والجغرافيا، وأن الأخوة الحقيقية أقوى من الخلافات السياسية العابرة. دعوة تحمل حباً صادقاً وأملاً كبيراً في مستقبل أفضل للمنطقة المغاربية بأكملها.

إنها رسالة ملك إلى شعب شقيق، رسالة تستحق من الجزائريين تأملاً عميقاً وردّاً كريماً، لأن المستقبل لا ينتظر، والفرص التاريخية لا تتكرر كثيراً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.