تبذير في زمن التقشف؟”: فضيحة “قاعة تكاط” تضرب عرض الحائط دعوات وزارة الداخلية لترشيد المال العام
“تبذير في زمن التقشف؟”: فضيحة “قاعة تكاط” تضرب عرض الحائط دعوات وزارة الداخلية لترشيد المال العام
الصويرة ـ نجوم بريس
عبد الله مرجاني
دعوة للترشيد.. ووقائع تدعو للقلق
في الوقت الذي شددت فيه وزارة الداخلية المغربية على ضرورة ترشيد النفقات وتجاوز “كل مظاهر التبذير وسوء البرمجة” في ميزانيات الجماعات الترابية، أصدرت فيه دورية واضحة تطالب المنتخبين بضبط الإنفاق والتركيز على المشاريع ذات الأولوية، تطفو على السطح وقائع مثيرة للاستياء والجدل في جماعة قروية بإقليم الصويرة، وهي جماعة تكاط.
تأتي هذه الدورية الوزارية لتؤكد على لزوم الانتقال إلى “ميزانيات فعالة” تركز على تحسين مؤشرات التنمية وتقليص الفوارق المجالية، مع حصر نفقات التسيير في “الاحتياجات الضرورية” وتجاوز البذخ في مجالات مثل “الاستقبال والإطعام، وتنظيم الحفلات والمؤتمرات والندوات”. بعبارة أخرى، هي دعوة صريحة لوقف إهدار المال العام وتحقيق “نجاعة عقلنة التدبير المالي”.
“قاعة” الجدل في تكاط: هدم ثم بناء رغم الوفرة
في تناقض صارخ مع التوجيهات المركزية، تشير الأنباء الواردة من جماعة تكاط (التي يبلغ تعداد سكانها 11,479 نسمة حسب إحصاء 2004) إلى تصرفات مثيرة للتساؤل من لدن رئيس الجماعة. يتعلق الأمر بملف بناء قاعة للاجتماعات بتكلفة مالية “كبيرة” (لم يُعلن عن قيمتها الإجمالية)، ثم هدم جزء من هذه القاعة وتحويله إلى غرفتين، والشروع في بناء قاعة جديدة كليًا.
هذا الإجراء يثير علامات استفهام كبرى حول مدى التزام المسؤولين المحليين بمبدأ ترشيد النفقات الذي تنادي به الداخلية، لا سيما وأن الجماعة تملك بالفعل قاعة اجتماعات كبيرة أخرى وموجودة في الملحقة الجماعية بمركز البيهات.
انتقاد التدبير وغياب الأولوية
إن هذه الواقعة، إذا ما تأكدت تفاصيلها، تمثل نموذجًا للتدبير الذي يضرب عرض الحائط مبادئ الصدقية في إعداد الميزانيات والحرص على توجيه الموارد “بشكل أمثل لخدمة التنمية المستدامة”. فبدلاً من تركيز الاستثمارات على دعم التشغيل وتقوية الخدمات الاجتماعية التي أكدت عليها الوزارة، يبدو أن المال العام يوجه إلى نفقات غير ضرورية ولا تخدم الأولويات الحقيقية للمواطنين.
يُعد بناء قاعة جديدة وتعديل أخرى، في ظل وجود بديل جاهز، دليلاً على سوء البرمجة والتبذير الذي حذرت منه الداخلية صراحة. فهل هناك حاجة فعلية وعاجلة لهذه القاعة الجديدة؟ وهل تم إجراء تقييم دقيق للمشروع وأولويته مقارنة بالاحتياجات الملحة الأخرى للسكان؟
إن الهاجس الأكبر الذي يجب أن يشغل بال المنتخبين هو مدى فائدة المشروع للمواطنين وليس تجميل الواجهات أو صرف الميزانيات بعيدًا عن الحاجات الأساسية.
ضرورة المساءلة والتحقيق
تطالب توجيهات وزارة الداخلية جميع الفاعلين بـ “التقيد الصارم” بهذه التعليمات، الأمر الذي يستدعي فتح تحقيق في تفاصيل هذا المشروع بجماعة تكاط لتقييم مدى التزامه بمبدأ النجاعة والترشيد المالي. فالمال العام هو ملك لجميع المواطنين، وأي هدر أو تبذير يمثل خصمًا مباشرًا من ميزانيات التنمية والخدمات الاجتماعية المستدامة. إن تجاوز هذه المظاهر ليس مجرد التزام إداري، بل هو واجب أخلاقي ووطني.