فن أحيدوس: لوحة تراثية تعانق جبال الأطلس
فن أحيدوس: لوحة تراثية تعانق جبال الأطلس
سبع عيون نجوم بريس
زهراء زربان صحفية متدربة
الفلكلور المغربي: إرث ثقافي متنوع تعريف فن أحيدوس.
أحيدوس هو فن أمازيغي عريق يجمع بين الرقص الجماعي، الغناء الشعري، والإيقاع، ويُعتبر أحد أبرز رموز الثقافة الأمازيغية في المغرب. يُؤدى في شكل دوائر أو صفوف متقابلة، بمشاركة الرجال والنساء الذين يرتدون أزياء تقليدية ملوَّنة تعكس جمال الطبيعة الأطلسية، مثل الجلابيب البيضاء للرجال والقفاطين الزاهية للنساء . يرتبط هذا الفن بمناطق الأطلس المتوسط والكبير، خاصة مدن إفران، خنيفرة، وأزرو، حيث تُجسِّد الرقصة تفاعل الإنسان مع الطبيعة والاحتفال بالحياة الزراعية والاجتماعية .
التاريخ والأصول
يعود تاريخ أحيدوس إلى أكثر من 33 قرنًا، مما يجعله أحد أقدم أشكال الفرجة الموسيقية في المغرب. ارتبط ظهوره بمناطق الأطلس الغنية بالمياه والغابات، حيث كان وسيلة للتعبير عن الفرح خلال مواسم الحصاد والأعراس . تشير الدراسات إلى أن الرقصة تطوَّرت من طقوس جماعية تهدف إلى “إعادة الشمس” رمزياً من موطن غروبها، عبر حركات دائرية تُؤدى ليلًا حتى بزوغ الفجر . انتقلت تقاليد أحيدوس شفهيًا عبر الأجيال، مما جعلها تحتفظ بخصوصيتها رغم التحديات التاريخية .
العناصر الفنية المكونة
الرقص: حركات سريعة ومتناغمة تعتمد على هز الأكتاف والدوران، تُنفَّذ بتوجيه من “الرايس” (قائد الفرقة) الذي يضبط الإيقاع باستخدام البندير (الدف) .
الشعر (إيزلان): أبيات شعرية تُلقى باللغة الأمازيغية، تعكس مواضيع مثل الحب، الشجاعة، المقاومة ضد المستعمر، أو حتى السخرية الاجتماعية. يتميز الشعر بالبلاغة واستخدام الرموز .
الإيقاع: يعتمد على آلة البندير مع تصفيق الأيادي، ويشمل إيقاعات متنوعة مثل “الصبا” و”البياتي”، مُعدَّلة لتناسب الطابع المحلي .
التنافس الشعري: يُستخدم كأداة لفرض الهيبة بين “النظّام” (الشعراء)، وغالبًا ما تنتهي الرقصة بأشعار تدعو للمسامحة .
الدور الاجتماعي والثقافي
الاحتفالات : يُقام أحيدوس في الأعراس، الختان، والعقيقة، كمظهر للفرح والتماسك الاجتماعي. في بعض المناطق، يُمنع المتفرجون من المشاهدة إلا إذا انضموا للرقصة .
المساواة بين الجنسين: تشارك النساء بنشاط في الأداء، بل يُعتبرن عنصرًا أساسيًا في الفرقة، مما يعكس مكانة المرأة في المجتمع الأمازيغي .
الهوية الثقافية: يحمل الفن رسائلَ عن التضامن والقيم الجماعية، ويُعدّ وسيلة للحفاظ على اللغة والتاريخ الأمازيغي .
التحديات والمهرجانات المعاصرة
نقص التوثيق: اعتماد الثقافة الأمازيغية على التداول الشفهي أدى إلى فقدان بعض القصائد، مما دفع الجهات الثقافية إلى تنظيم مهرجانات مثل المهرجان الوطني لأحيدوس في عين اللوح، الذي يجمع 45 فرقة سنويًا .
الانتشار العالمي: بفضل فنانين مثل موحى والحسين أشيبان (المُلقب بالمايسترو من قبل الرئيس الأمريكي رونالد ريغان)، وصل أحيدوس إلى محافل دولية، وحظي باهتمام على منصات التواصل الاجتماعي .
الفلكلور المغربي: تنوع ثقافي فريد
لا يقتصر التراث المغربي على أحيدوس، بل يشمل فنونًا أخرى مثل:
العيطة: فن غنائي يعبِّر عن الحزن والفرح، ارتبط بمقاومة الاستعمار .
الكناوة: مزيج من الموسيقى الروحية الأفريقية والإيقاعات المغربية.
أحواش: رقصة جماعية أخرى من جنوب المغرب، تُؤدى في المناسبات الدينية.
فن أحيدوس ليس مجرد رقصة، بل هو سرد حي لتاريخ شعب وصرخة فنية ضد النسيان. رغم التحديات، تظل الجهود المبذولة للحفاظ عليه – عبر المهرجانات والتوثيق – شاهدًا على حيوية التراث المغربي، الذي يُعدّ جسرًا بين الماضي والمستقبل.